انقلاب موريتانيا يجب أن لا يمر دون عقاب
لا شك أن أصيب العالم المحب للديمقراطية بصدمة عند سماعه بالانقلاب العسكري الأخير في موريتانيا، إذ كنا نعتقد أن عهد الانقلابات العسكرية في البلاد العربية قد ولىّ إلى غير رجعة، لأننا نعيش في عصر انهيار الأنظمة المستبدة وخاصة العسكرية منها، يتسم بانتشار الديمقراطية وتداول السلطة سلمياً عن طريق صناديق الاقتراع وليس عن طريق دبابات العسكر. ولكن ما حصل في موريتانيا يوم الأربعاء، 6 آب/أغسطس الجاري بزحف العسكر على ظهور دباباتهم واغتصابهم السلطة قد أصابنا بخيبة أمل، وأثبت أننا كنا نعيش في وهم.
لقد أطاح العسكر بحكومة الرئيس سيدي محمد ولد عبدالله، الديمقراطية المنتخبة بانتخابات حرة ونزيهة أجريت يوم 10 آذار/مارس 2007، تحت إشراف دولي. والجدير بالذكر أن الرئيس ولد الشيخ عبد الله، الذي أطاح به الانقلابيون، هو أول رئيس منتخب ديموقراطيا منذ استقلال موريتانيا عن فرنسا عام 1960.
والدافع وراء هذا الانقلاب كما يبدو، هو شخصي وليس لمصلحة الشعب كما يدعي الانقلابيون لتبرير انقلاباتهم في مثل هذه الحالات. إذ كما أفادت الأنباء أن سبب الانقلاب هو إقدام الرئيس سيدي محمد ولد عبدالله بإقالة قائد الحرس الرئاسي محمد ولد عبد العزيز وقائدي الجيش وقوات الأمن، فأسرع هؤلاء الضباط المقالون وقاموا بانقلاب عسكري على الحكومة، وأعلنوا "مجلس دولة" برئاسة أحدهم وهو قائد الحرس الرئاسي محمد ولد عبد العزيز. لذا فإن دل هذا العمل على شيء فإنه يدل على استهتار هذه الحفنة من ضباط الجيش بالقيم الوطنية، وعدم انضباطهم بالأوامر، واحتقارهم لإرادة الشعب، فهم يعتبرون أنفسهم نخبة متميزة عن الشعب، وفوق مستوى الشعب وفوق القانون والدستور، دون أي احترام لصناديق الانتخابات وإرادة الشعب.
كذلك يبدو أن هذه الحفنة من العسكر الموريتانيين هم في حالة انفصام تام عن العالم، ولم يعرفوا أننا نعيش في عصر العولمة حيث صار للمجتمع الدولي دور مهم في الاعتراف بشرعية الحكومات، وحماية الشعوب من حكامها الجائرين. ولذلك ومن المفرح أن المجتمع الدولي فعلاً تحرك سريعاً واتخذ الموقف الصحيح، فما أن عرفت حكومات العالم بهذا الانقلاب الإجرامي على الحكومة الشرعية الموريتانية المنتخبة حتى وسارعت في إدانته. وكما أفادت الأنباء أن "أدانت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي الانقلاب.... ودعت الجيش للإفراج عن الرئيس ورئيس الوزراء وغيرهما من المعتقلين من أعضاء الحكومة الشرعية."
وهذا الموقف المشر مطلوب من كافة دول العالم والمنظمات الديمقراطية والمدافعة عن الحريات وحقوق الإنسان، والأحزاب الديمقراطية، أن تتحرك بسرعة ونشاط لإدانة هذا السلوك الإجرامي وعدم اعتراف أية دولة بحكومة الانقلابيين حتى وإن تعهدوا بإجراء انتخابات ديمقراطية في القريب العاجل. إذ ليست هناك أية حاجة لمثل هذه الانتخابات في الوقت الحاضر، خاصة وأن حكومة سيدي ولد عبدالله هي حكومة شرعية منتخبة ديمقراطياً قبل عام فقط.
فموريتانيا بلد صحراوي شاسع، ويعتبر من أفقر دول العالم، حيث تبلغ مساحتها حوالي نصف مليون كم2، وعدد نفوسها أقل من أربعة ملايين نسمة، يعمل معظمهم رعاة للإبل والأغنام. لذا فأهم ما يحتاجه هذا الشعب هو الاستقرار السياسي، إذ أثبتت التجارب والدراسات أن الانقلابات العسكرية في العالم الثالث هي من أهم أسباب عدم الاستقرار السياسي وتفشي الفقر والتخلف والفساد. إذ شهدت موريتانيا منذ استقلالها عام 1960 عشرة 10 انقلابات أو محاولات انقلاب عسكرية وآخرها يحمل رقم 11. وهذا بحد ذاته يعمل على عدم استقرار البلد والمزيد من الفقر والتخلف والفساد.
ولعل الانقلاب الوحيد المبرر في موريتانيا هو الذي وقع قبل عام 2006، بقيادة العقيد أحمد ولد فال، ضد الرئيس السابق معاوية ولد الطايع الذي هو الآخر كان قد جاء إلى السلطة على ظهر دبابة ولكنه بقي متمسكاً بالسلطة بأسنانه وأظافره. ولكن بعكس الانقلابات السابقة، تعهد ولد فال وزملاؤه أن ينتقلوا ببلدهم إلى حكم ديمقراطي حقيقي، من خلال انتخابات نزيهة، كما وامتنعوا عن ترشيح أنفسهم لأي انتخاب. وفعلاً وفوا بعهدهم فأجريت الانتخابات في 10 مارس/آذار 2007، تحت مراقبة دولية وكانت من أنزه الانتخابات في تاريخ البلاد، وقد فاز بالرئاسة سيدي محمد ولد عبدالله الذي أطاح به الانقلابيون الجدد يوم الأربعاء 6 آب الجاري.
وقد قام العقيد أحمد ولد فال في موريتانيا عام 2007 بنفس الدور المشرف الذي قام به الفريق عبدالرحمن سوار الذهب في السودان، الذي قاد انقلاباً على الرئيس السوداني المستبد الجائر الفاسد جعفر النميري، عام 1985، وتعهد أن يجري انتخابات حرة ونزيهة بعد عام واحد فقط، يسلم البلاد بعدها إلى حكومة مدنية، منتخبة ديمقراطياً. وقد نفذ الفريق سوار الذهب العهد ودخل التاريخ كعسكري نزيه ونبيل، شاذ عن بقية نظرائه العسكريين العرب من قادة الانقلابات، أي غير طامع في السلطة. وكان العقيد أحمد ولد فال العسكري رقم 2 في هذه النزاهة. ولكن كما غدر عمر حسن البشير بحكومة الصادق المهدي المنتخبة في السودان فأجهض الديمقراطية الوليدة بانقلاب عسكري وقاد السودان إلى الكوارث ومنها إلى ارتكاب جرائم الحرب وإبادة الجنس وضد الإنسانية في دارفور وغيرها من مناطق جنوب السودان، وهو مطالب الآن للمقاضاة أما محكمة دولية بسبب هذه الجرائم، فلا نعتقد أن نظراء البشير الجدد في موريتانيا سيختلفون عنه.
لقد استغل العسكر معاناة الشعب الموريتاني من الفقر وتصاعد موجة غلاء أسعار المواد الغذائية لتحقيق غرضهم في اغتصاب السلطة. ولكن كما هو معروف لكل منصف ومطلع، أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية هي مشكلة عالمية اجتاحت العالم كله وليست من نتاج الحكومة الديمقراطية الموريتانية المنتخبة. أما كون الحكومة الديمقراطية ترافقها صراعات سياسية واختلافات في وجهات النظرات وحتى انشقاقات بين الكتل السياسية، وترتكب أخطاء، فهذه مسألة طبيعية ومن خواص الديمقراطية وخاصة الناشئة منها أن تحصل أخطاء. فالأخطاء لا بد منها، ولكن في نهاية المطاف تساعد على تفهم الشعب وصولاً إلى ديمقراطية ناضجة. إذ كما قال المرحوم عبدالرمن البزاز، رئيس وزراء عراقي سابق: " من الأحسن كثيراً للشعب في أن يخطأ في ممارسة الديمقراطية حتى يصل ولو بعد وقت ما إلى الطريق الصحيح من أن يحتكر السلطة شخص واحد أو جماعة واحدة، تدفع به إلى مهاوي الخطر بادعاء أنهم "النخبة" القادرة وحدها على معرفة ما هو صالح للشعب." وكعراقيين، وعانينا الكثير من حكم العسكر، نعرف ما عمله العسكر الذين قادوا شعوبهم إلى المهالك، وحكم صدام حسين وعمر حسن البشير ومعمر القذافي وغيرهم أوضح وأصدق أمثلة على ما نقول.
لقد حرَّم العسكر بلدانهم من نعمة الاستقرار السياسي لعقود من الزمن، وكما ذكرنا أعلاه فإن موريتانيا بأمس الحاجة إلى هذا الاستقرار. لذلك نطالب المجتمع الدولي بعدم ترك الانقلابيين دون عقاب. ومن الإجراءات العقابية بحق هؤلاء المجرمين، نقترح عدم الاعتراف بحكومة الانقلابيين، ومعاملتهم كمنبوذين، ومنع أي تعامل إيجابي معهم، ومنع المسؤولين الكبار من هذه الحكومة الانقلابية من السفر، بل وحتى إصدار قرار بمقاضاتهم أمام المحكمة الدولية كمجرمين لتجاوزهم على حقوق وإرادة شعبهم، على غرار القرار الأخير الذي صدر ضد الرئيس السوداني غير الشرعي، عمر حسن البشير، بتهمة جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، ليكونوا عبرة لغيرهم من أمثالهم من العسكر المستهترين بحقوق شعوبهم في البلدان الأخرى. لقد سأمت الشعوب وملت من سلوك هؤلاء العسكر المستهترين، إذ بسببهم عانت هذه الشعوب من عدم الاستقرار السياسي، وتفشي الفساد والرشوة والفقر وإيقاف التنمية البشرية والازدهار الاقتصادي.
وحيد عبدالله.م/للحوار المتمدن