[center]الإرهاب ضد الحداثة وليس ضد الوجود العسكري الأجنبي
[right]1-
نظرة سريعة على مواقع الكوارث والجرائم التي يقوم بها الارهابيون من الانتحاريين والمتحزمين بالنواسف، تكشف لنا عن أن هؤلاء جميعاً يقصدون البلدان التي تغيرت فيها السياسات، وبدأت تركب قطار الاصلاح السياسي والاجتماعي والتعليمي كذلك. وأن هؤلاء لا يتتبعون ما يطلقون عليه بالكفر والكفار بقدر ما يتتبعون أي بريق للحداثة أينما وجد، وأي بصيص لليبرالية أينما بزغ لتدميره وتعطيله وايقاف مفعوله. وأن المؤيدين لمثل هذه الأعمال أو الساكتين عنها سكوت الرضا والغبطة، هم أيضاً يشاركون هؤلاء في عدائهم للحداثة ولليبرالية، ولتقدمها الملموس الآن في العالم العربي. بل إن هؤلاء أشد خطراً على الحداثة والليبرالية من الارهابيين القتلة أنفسهم، لأنهم بمثابة الشياطين الخُرس الساكتين عن قول الحق.
-2-
فاصلاح التعليم الديني الظلامي المتشدد، الذي بدأ في معظم دول الخليج والمغرب والجزائر هو جزء من مسيرة الحداثة والليبرالية التي بدأت بعض الدول العربية الأخذ بها.
واعطاء المرأة بعض حقوقها المشروعة، كما تم في الكويت باقرار حق المرأة في الانتخاب والترشيح لمجلس الأمة، وبتعيين المرأة وزيرة لأول مرة في تاريخ الكويت، وتعيين ثلاثين قاضية في القضاء المصري، ولأول مرة في التاريخ المصري، رغم معارضة الأحزاب الدينية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، تعتبر خطوة جديدة على طريق الحداثة والليبرالية في مصر، فيما اعتبر ما تم في الكويت ومصر هو يوم أسود في تاريخ هذين البلدين من قبل الأحزاب الدينية.
وتعيين الدكتورة الأميرة الجوهرة مديرة لجامعة البنات في الرياض، وذلك لأول مرة في تاريخ المملكة تتبوأ بها امرأة مثل هذا المنصب، يعتبر خطوة متقدمة لاعطاء مزيد من الحقوق للمرأة السعودية، التي أصبحت بالعلم وحده تشغل مناصب رفيعة في الاقتصاد بحيث أصبحت مدير بنك، ومناصب رفيعة في التربية بحيث أصبحت عميدة لعدة كليات تعليمية، واحتلت مواقع متميزة في الصحة والإدارة والخدمة الاجتماعية، وهي التي ما زالت تطالب بحقها في سياقة السيارة ولكن المجتمع قبل الدولة والتقاليد قبل المراسيم تحول الآن بينها وبين ذلك. ولعل مزيداً من التعليم والرقي للمرأة السعودية سيمكنها مستقبلاً من انتزاع المزيد من الحقوق المدنية. وما زال المجتمع السعودي يتغير.
كذلك، فإن هامش حرية الرأي الآخر في المغرب والجزائر ودول الخليج وخاصة السعودية، قد زاد عما كان عليه سابقاً. والذي يقرأ باستمرار صحف هذ الدول يلاحظ ببساطة زيادة هامش الحرية في الصحافة. وأن ما كان محرّماً الخوض فيه في الماضي، أصبح يُخاض فيه كل يوم. وأن جزءاً من المسكوت عنه في الماضي القريب، أصبح اليوم من المُعلن عنه، والمُناقش، والمطروح للبحث.
-3-
المجموعات الدينية الارهابية، والجماعات الدينية المتشددة في العالم العربي التي توجّه هؤلاء الارهابيين، تملك حاسة شم أعظم وأكبر من حاسة شمّ الكلاب. وهم يشمون رائحة الحداثة والليبرالية والإصلاح في البلدان العربية من على بعد سنوات، كما تشم الكلاب المخدرات وآثار المجرمين من مسافات بعيدة. وهم عندما ضربوا برجي نيويورك في عام 2001 كانوا – في ظني وتقديري المتواضع - يعلمون تمام العلم بأن الرئيس بوش في مقتبل ولايته قادم، وجاد ومتحمس لحل القضية الفلسطينية، ومتابعة جهود خلفه كلينتون، ومحاولة تنفيذ ما تم عرضه في عام 2000 في كامب ديفيد، وإن كان باسلوب مختلف. ولكن الهدف في النهاية واحد. وهو العمل على استقرار منطقة الشرق الأوسط. وإذا ما تم هذا الاستقرار، فهذا يعني التبشير بالديمقراطية، والتمهيد لها، وفتح طرقها. وبالتالي قيام المجتمع المدني العربي، واستبعاد قيام الدولة الدينية، أو دولة الخلافة الطالبانية، التي كانت تسعى اليها الجماعات الاسلامية بزعامة حسن الترابي، وراشد الغنوشي، وعمر البكري، وعمر عبد الرحمن، وابن لادن، والظواهري، وجماعة الإخوان المسلمين وغيرهم من عناصر المؤسسات الدينية السياسية والتجارية في الشرق والغرب، منذ حرب الخليج 1991 وحتى عام 2001.
وربما سائل يسأل وهل تبرر الضربات الارهابية في الرياض في عام 1994، 1995، 2003، وفي الخُبر عام 1996 على هذا النحو. والجواب أن حاسة شم الارهابيين للحداثة والإصلاح والابتعاد عن دولة الجمود والتكلس، والتي هي أقوى من حاسة الكلاب تجاه المخدرات وآثار المجرمين والمهربين، كانت قد اكتشفت أن الدولة السعودية بعد حرب الخليج 1991 قد حزمت أمرها، وأصبحت جادة لحثّ الخطى نحو بناء الدولة الحديثة والقيام بالإصلاح، رغم تبرم المتشددين الدينيين وعدم رضا دعاة الدولة الدينية التقليدية. وبذلك بدأت موجات الارهاب في السعودية والتي كان فيها عدد ضئيل من القوات الأمريكية نتيجة لحرب الخليج عام 1991 ، بينما لم يتم ضرب قواعد هذه القوات في قطر التي يفوق عدد القوات الأمريكية الموجودة فيها أضعاف ما كان يتواجد من قوات أمريكية على أرض السعودية. ولعل تعثر الحداثة في الثمانينات من القرن الماضي في السعودية، ما كان إلا نتيجة للحركة الارهابية التي قادها جهيمان العتيبي على المسجد الحرام عام 1979، والتي أعقبها ترك الحبل على الغارب للفئات الدينية المتشددة، وزيادة الفجوة الاجتماعية والتعليمية بين البنات والأولاد، وارتفاع الأصوات المعادية للحداثة، والمنادية بالتشدد في فرض الحجاب على المرأة، وحجب صورة المرأة من التلفزيون، وزيادة جرعات "فوبيا النساء"، واتساع دائرة المحاضرات والدروس والمخيمات الدينية المتشددة، وامتلاء المحلات التجارية بشرائط الكاسيت التي تحتوي على محاضرات ودروس دينية متشددة. وهو ما نطلق عليه الارهاب الناعم أو البارد على غرار الحرب الباردة، مقابل ما يحدث اليوم من ارهاب دموي قاسٍ على غرار الحرب الساخنة.